عندما يمدّ «حزب الله» اليد الى تيار «المستقبل» لتأليف الحكومة وفتح صفحة جديدة، المفترض أن يبتعد الاستعراض عن المشهد قليلاً، ليحلّ مكانه التفكير الجاد في طريقة ترتيب علاقة الحدّ الأدنى التي يمكن من خلالها منع الانزلاق الى الفتنة المذهبية، وتأمين سير عمل المؤسسات، ولو بالحدّ الأدنى أيضاً.
التراجع عن الثلث المعطل والاستعاضة عنه بالضمانات غير المعلنة، لا يكفي. والزيارات ذات الطابع البروتوكولي، بعد سلسلة طويلة من خطاب التخوين والتكفير، لا تعدو كونها خطوة متواضعة، في سياق خطّة “حزب الله” لتحميل تيار “المستقبل” عبء مواجهة ما أنتجه قتاله في سوريا.
يرتكب الحزب الخطأ الكبير، فاعتقاده بأنّه يرمي مسؤولية السلطة التنفيذية بوزاراتها الحساسة على تيار “المستقبل” وفريق “14 آذار”، لن يضيع المسؤولية في الوصول الى سلسلة الارهاب والعمليات الانتحارية، وسيبقى تدخل “حزب الله” في سوريا السبب الأول، وسيبقى إصراره على القتال هناك دافعاً للقوى الاسلامية العنفية لكي تستمرّ في دورها، باستهداف المواطنين الابرياء.
ولعلَّ تيار “المستقبل” بات الطرف الأكثر تضرّراً من لعبة التطرف بوجهَيه. فالاعتدال السنّي يدفع اليوم ثمن مواجهة كبرى بين مشروع ايران في المنطقة، والمشروع “القاعدي”. فهذا يواجهه من أمام، وذاك “يزركه” من خلف. فالاعتدال دفع ثمن مواجهة “حزب الله”، ويُراد تدفيعه ثمن مواجهة “القاعدة”. ويمكن القول إنّ عبء مواجهة التطرّف الأعمى سيقع على عاتق الاعتدال، لكنّ مواجهة مشروع “حزب الله” سواء في سوريا، أو في لبنان حيث لم يكن الحزب بعيداً من تطبيق نماذج ساهمت في إيصال هذا الاعتدال الى حدّ التنافس مع ظواهر أنتجها اغتيال الرئيس رفيق الحريري والسابع من أيار، وإسقاط حكومة سعد الحريري، هذه المواجهة لا يمكن إلّا أن تدخل من معبر اجباري وهو معبر العودة الى الدولة، وإعادة ترميم ما تبقى من مؤسساتها، وخصوصاً المؤسسات الأمنية والقضائية التي استنزفتها الدويلة الى حدٍّ باتت عاجزة عن القيام بدورها.
كلّ ذلك لا يتأمن ببيان وزاري مصاغ بالتذاكي اللغوي، ولا يتأمن بالقفز فوق الحقائق الجديدة، وخصوصاً حقيقة أنّ قتال “حزب الله” في سوريا قد وضع لبنان على خط الزلازل. ولا يمكن كذلك أن يتأمن باستمرار الأمن الذاتي، وحماية المتهمين في الجرائم، وحراسة البؤر الأمنية المحمية بقرار سياسي، بل بسلوك أول الطريق من داخل هذه الحكومة لاتخاذ القرار الكبير بالعودة الى الدولة.
ويبقى السؤال: هل سيترجم قرار “حزب الله” تسهيل تأليف هذه الحكومة، بالاتفاق على برنامج عمل تنفذه خلال الثلاثة أشهر المقبلة؟
الجواب الى الآن ينبئ بأنّ الحزب توسل هذه الحكومة من أجل تحقيق مجموعة أهداف تصبّ في خانة التغطية على قتاله في سوريا. والجواب على هذا السؤال الى الآن يفيد بأنّ إعلان السيد حسن نصرالله الإصرار على القتال في سوريا، ينبئ بأنّ الحزب غير قادر على أن يكون له أيّ هامش في اتخاذ القرار بالانسحاب، على اعتبار أنّ القرار ايراني المصدر.
هذا ما سيحوّل هذه الحكومة ائتلافاً ظرفياً لن تكون وظيفته أكثر من إدارة أزمة بين قوى “14 آذار” و”حزب الله”. وهو نفسه ما يضعف احتمالات أن تنعكس ايجابية تأليف الحكومة على الانتخابات الرئاسية، فتتعزّز فرص الفراغ، وتصبح حكومة ربط النزاع طاولة جديدة للمواجهة، كلّ ما تغيّر فيها أنها انتقلت من مكان الى آخر.
وفي المحصّلة، لن يكون رهان “حزب الله” على تخفيف الخسائر عبر تحميل قوى “14 آذار” مسؤولية الوضع الأمني إلّا سراباً. فعلى رغم كل الاحتقان المذهبي، فإنّ المشكلة ليست بين الضاحية والطريق الجديدة، بل وُلدت في القُصير ويبرود وريف دمشق، والانسحاب من سوريا هو أول الطريق الذي يجب سلوكه لمعالجة الأسباب، قبل التلهي بمراقبة النتائج.